حوار بين الاتحاد و الانفصال
بعد يوم حافل مليء بالأحداث و المشاعر الجياشة من دموع و ضحكات و غضب و حنان قضتها نرجس لقمان في اجتماع عائلي بمناسبة نجاة أخيها من موت محقق أئر حادث مؤلم .. دخلت غرفة نومها و استلقت على السرير .. احست بتغيير ما في نفسها و شعرت أن لديها القدرة لأن تكون صادقة مع نفسها.. فاستمعت
الانفصال : بعد أن جعلتك حكيمة و هذا ما كنت تتحرقين شوقا للوصول إليه أراك تهملينني .. ألا تذكرين آلامك و أحزانك .. أهدافك التي لم تتحقق .. و كل ما كنت تعانينه .. ما أكثر ما ينسى الإنسان !
نرجس لقمان: سئمت العيش على أطراف الحياة .. نعم تخلصت من الآلام.. أو معظمها بتعبير أدق.. و لكنني الآن أعاني آلام الوحدة لا أحد مثلي فيمن حولي.. تعبت
الإتحاد : لذلك أقول أن ثمن التخلص من الألم كان باهظا جدا و لقد تخليت معها عن المتعة أيضا .. و هذا بدا منطقيا في البداية لأنك لا تريدين تحمل آلام فقدانها .. ولكن مع الزمن فقدت الدافع إلى أي شيء
نرجس لقمان : هذا صحيح .. صحيح .. أحسنت
الانفصال مستغربا: نرجس ؟! .. ما بالك بحق الله مندفعة بهذا القدر للتخلص مني . ألا تتذكرين.. كم بذلت من الجهد و الوقت و المال.. ألا تتذكرين تضرعك بدموع الألم .. أكان كل ذلك بلا أسباب.. تذكري جيدا حينما لم تحصلي على التفوق الذي أردتيه في المرحلة الإعدادية..و فشلك المؤلم في التجربة العاطفية الأولى.... مشاكل أبويك .. و تفكك أسرتك فردا فردا .. هل تذكرين .. لقد أصبحت بوتقة للآلام و العذاب و الأحزان و اليأس و القنوط.. ألم يمنعك هذا من ممارسة حياتك كما أردت .. متفوقة .. مليئة بالنشاط و الحيوية و الأمل لا تحدها حدود.. أولست القائلة :
كنت كالإشعاع حرة
أمضي من دون قيود
أستجيب لخفة الأنسام تغدو في شرود
أصطفي العشب فراشا
أنتشي النجم غطاء
أستسيغ من معاطي الأرض ما كانت تجود
نرجس لقمان بعينين تنظران إلى بعيد : بلى بلى ...
الانفصال : دعيني أكمل ما قلتيه في تلك الليلة التي نزل عليك فيها الوحي
فاذا ما جن ليلي
وتغطت بالسهيل
أجعل البدر صديقي
في حياة لا تسود
..................
فجأة.. لاقيت نفسي
بعد أن جافاني بأسي
و بدت قصة يأسي
زفرة البركان من دون خمود
و استطال العمر دهرا
و استكان الشوق قهرا
صارت الأزمان أسوارا
تعالت في اللحود
نرجس لقمان بانكسار : كفى بربك لا تذكرني بتلك الأيام كل ما قلته صحيح و .... مؤلم.. أحس بذلك .. و لكنني بعدها .. بعد أن انتصرت لك .. أو انتصرت لي.. أصبحت كالآلة أفعل ما يجب فقط دون رغبة .. دون حافز أو دافع .. لقد فقدت نفسي التي بين جنبي
الاتحاد : فقولوا لي بحق الله كيف سيحصل التفوق دون رغبة... كيف سيحصل الإبداع دون متعة أو ألم ؟!.. كم حاولت يا نرجس و لم تفلحي ألم يكن تخلصك مني في سبيلهما الم تتخلصي من الألم رغبة في السعادة .. فأين هي الآن.. اروني إياها إن كنتم صادقين..
الانفصال : أخاف دوما من شططك ..إن سعير الألم و المتعة قوة عظيمة لا يضمن أحد إلى ماذا قد تؤدي ..انظر إلى فاقدي الأمل في كل مكان .. إلى الحزانى .. المنتحرين..انظر إلى السجون و المدخنين و المدمنين على الكحول و المخدرات ..
الاتحاد : على رسلك يا صديقي اللدود الآن ستحملني أخطاء البشرية كلها ... بدوري سأدعوك إلى التفوق الذي أحرزته الإنسانية منذ فجر التاريخ و حتى الآن .. انظر إلى أين وصلت الحضارة .. إلى العلم.. الفن.. الموسيقا , الرسم , النحت انظر إلى المسافة بيننا و بين الإنسان الأول.. انظر إلى العظماء الذين رصعوا صدر الأرض عبر الزمان.. و بالمقابل انظر ما فعلته إلى جانب الحكمة يا سيدي .. الرهبنة ومعتزلي الحياة أولئك الذين لم يفيدوا أحدا سوى تدفئة جدران كهوفهم -الحجرية منها و النفسية- بأنفاسهم الملائكية - قالها بتهكم – و الاستعباد لم يكن ليتحقق إذا لم يسلبوا من الناس ذواتهم و يجعلونك السلطان الأوحد بين جنبيهم
نرجس لقمان: إنكما تتحدثان عن أبشع ما فيكما .. لماذا كل هذا التجني لقد حملتم الموضوع ما لا يتحمله
الانفصال : صدقوني ..أنا لا حاول الانتصار لنفسي فهمي أن ترتاح نرجس و تحقق ما تصبو إليه ..و إن ما دفعته من ثمن ليس بباهظ على ما تخلصت منه من الم ..
الاتحاد : ألا تسمي ابتعادها عن أمالها و أحلامها و عيشها في ظروف تقبلتها رغما عنها ثمنا باهظا بل لقد فقدت قلبها فصورت أن الحياة كلها هكذا و عليها أن تقبل بالراهن على انه أفضل الممكن
الانفصال : لماذا تحاول إلصاق كل شيء بي .أنت تدافع عن القلب لأنه مكانك أنت
الاتحاد : و أنت تدافع عن العقل لأنه مكانك أنت
الانفصال : دعك الآن من هذا الجدال فليس هو مبتغانا ناهيك عن زياراتي لك في الحب و زياراتك لي في الإيمان .. المهم عليك الاعتراف باني أنقذتها من عذاب مقيم
الاتحاد : وألصقتها بالأرض إلصاقا مقيما
الانفصال : بل جعلتها حكيمة .. فرفعت روحها و فكرها نحو السماء
الاتحاد : فلم تطل السماء ولا الأرض
نرجس لقمان: بربكما كفا, أتعتقدان أنني استطيع تحمل هذا الصراع بينكما أحس بالحرارة ترتفع في جسدي سامحاني سأضطر إلى ترككما .. سأنام
الاتحاد : لا.. لا يا نرجس أتهربين كالعادة الأمر يحتاج إلى قرار حاسم منك ... لقد اخترت الحكمة و العيش وحيدة تطيرين بين الغيوم.. ستحطين أخيرا على الأرض و ما أن تلامسها قدميك حتى ستدركين انك فعلت ذلك متأخرةً جدا
نرجس لقمان: صحيح كلامك ولكن بصراحة أنا راضية عما أنجزته خلال المدة الماضية
الاتحاد : لقد كسبت قلوب الناس؟!
نرجس لقمان: و ضميري مرتاح
الاتحاد : و لكنك نسيت نفسك فبخستها حقها
الانفصال : لا تنسى أنها كانت مؤمنة بذلك ..
الاتحاد : وتخسر؟! تؤثر على نفسها في كل ناحية من حياتها هل تعتبر هذا إيثارا .. يا الهي- قالها بنفاذ صبر- .. لقد فقدت الثقة بقدرتها و بنفسها لقد فقدت حتى عيونها و ترى نفسها بعيون الآخرين
نرجس لقمان: أنت تبالغ كثيرا
الاتحاد : كوني جريئة وتكلمي بما تتحدثين به مع نفسك
نرجس لقمان: اشعر أنني لم ابق ظهرا و لم اقطع طريقا .. أنني تعبة .. هذا كل ما في الأمر
الاتحاد : يا لانفصالك مرة أخرى
الانفصال : و أنا السبب !؟
نرجس لقمان: في الحقيقة .. نعم ,أريد أن أعود إلى نفسي قليلا
الانفصال : حسنا .. لك ما تشائين و لتتمتعي بالغضب و الحزن و الألم .. بل الحقد و الكراهية
الاتحاد : وكذلك السعادة و الثقة و الطمأنينة و التغيير و التقدم نحو الأمام
نرجس لقمان: لن اترك ما تعلمته في السنين الماضية أيها الانفصال ألا تراك تبخسني حقي هل من المعقول أن انجرف إلى هفوات العهد القديم .. قبل أن نتعارف
الانفصال : و ما هي الضمانة.. أخشى ما أخشاه أن يأخذك الاتحاد بعيدا فتنسين الحكمة
نرجس لقمان: لا تخف سأحاول الإنصاف بينكما بالقسطاس
الاتحاد : يا له من عمل متعب و هادر للطاقات
الانفصال: ألا ترين ها هو ذا منذ البداية يحاول إبعادك عن جادة الصواب
الاتحاد : سئمت هذا الكلام
نرجس لقمان: على رسلكما سأحاول العيش على سجيتي
الانفصال : هذا اتحاد .. سجيتي ! يا لها من تسمية
الاتحاد : عليك أن تثقي بقدرات عقلك الباطن على الاختيار لقد جمعت الكثير من الخبرات
الانفصال : و من أين لها هذه الثقة .. نعم .. إن هذه الثقة هي نفسها التي أودت بالكثيرين.
نرجس لقمان: كفاك يا انفصالي.. هل فقدت ثقتك في !؟
الانفصال بحركة اعتذار: لا .... لم أقصد – واعتدل في جلسة واثقة- أريد برهانا.. دليلا على كلامك
نرجس لقمان: دليلاً؟.. مثل ماذا ؟
الانفصال: لا أدري .. دليلاً على حمايتك من الشطط إلى الأنانية أو الألم و ما شابه من مشاكله, وأشار إلى الاتحاد إشارة تهكمية
الاتحاد: يا صديقي إن آلامك لا تقل عن آلامي ..كل ما تفعله هو إخفاءها.. هل رأيت حياة بلا ألم ..! يالها من كذبة .
نرجس: حسناً سوف أجعلكما في ميزان متعادل
الاتحاد ممتعضا: هذا لا يكفي
الانفصال بسرعة: كيف؟
نرجس لقمان: لسوف أخصص وقتا محددا في برنامجي للتفكير و التأمل و لن تكونا إلا راضيين
الانفصال: هل هذا وعد ؟.. وعد قاطع؟
نرجس لقمان: نعم.. وعد قاطع
الاتحاد ببطء: موافق
الانفصال بحبور: موافق أنا أيضا
نرجس لقمان: إذا دعونا نحتفل بهذه المناسبة بنوم مريح و مطمئن و أحلام سعيدة
و لم تمض إلا ثوان حتى كانت نرجس تغط في نوم عميق